تسود أجواء من الواقعية داخل برشلونة بعد الخسارة أمام ريال مدريد (2-1) في الكلاسيكو، إذ اختار النادي أن يتعامل مع الهزيمة ببرود أعصاب بعيداً عن الدراما، مع رفع سقف النقد الذاتي والاعتراف بالحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق.
ويقود المدرب هانز فليك هذه المرحلة الحساسة بثقة وقناعة بقدرته على إعادة الفريق إلى مستواه الذي يؤهله مجدداً للمنافسة على الألقاب كما فعل الموسم الماضي.
ووفقاً لصحيفة "موندو ديبورتيفو" الإسبانية، فقد أكد التحليل الداخلي البارد لما حدث في البرنابيو أن الفريق افتقد إلى الحركية والفعالية الهجومية من جهة، وإلى الصلابة الدفاعية من جهة أخرى.
ويرى النادي الكتالوني أن الوقت الحالي هو "لحظة فليك"، حيث يجب أن يعيد المدرب ضبط نغمة الفريق، ويعزز الرسائل داخل المجموعة، مع مراجعة بعض الأدوار مثل دور رونالد أراوخو الذي بات محورياً في عملية التوازن الدفاعي.
غياب الحركية والفعالية
كشفت المواجهة أمام ريال مدريد أن قلة الحركة في الخط الأمامي من لاعبي الوسط الهجومي والمهاجمين تُعد من أبرز النقاط التي تحتاج إلى تصحيح عاجل.
هذه المشكلة تزداد وضوحاً لأن الديناميكية كانت سمة مميزة للفريق طوال الموسم الماضي، لكن أمام ريال مدريد غابت التحركات نحو المساحات، واعتمد الفريق بشكل مفرط على اللعب بالكرة في القدم. باستثناء بعض المحاولات القليلة، مثل تسديدة جول كوندي في الدقائق الأخيرة، إذ افتقد برشلونة إلى التنوع في الهجوم والحيوية التي اعتاد عليها.
ولا يقتصر الأمر على الشق الهجومي، فالحركية مطلوبة أيضاً في الجانب الدفاعي، بدءاً من الضغط العالي والمتناسق الذي يجب أن تشارك فيه جميع الخطوط، من الهجوم إلى الدفاع.
فعالية غائبة ومراوغات مفقودة
افتقد برشلونة إلى اللمسة الحاسمة والقدرة على التفوق في المواجهات الفردية داخل الملعب. فبدون الجرأة لا توجد فرص واضحة، وبدون التسديد يصبح الوصول إلى الأهداف أمراً صعباً.
وقد سدد الفريق فقط ست كرات على مرمى تيبو كورتوا طوال اللقاء، وهو رقم يعكس محدودية الخطورة الهجومية، كما لا يمكن ترك مهمة الاختراق بالكامل لامين يامال، الذي يُعد من المواهب الصاعدة، لكن الفريق بحاجة إلى حلول إضافية من الأطراف والعمق لتخفيف الضغط عنه.
يامال خارج دائرة القلق
رغم الانتقادات التي وُجهت إلى لامين يامال عقب أدائه المتواضع في الكلاسيكو، إلا أن النادي لا يعتبره ضمن مصادر القلق. يرى الجهاز الفني أن اللاعب ما زال بحاجة إلى استعادة إيقاع المباريات بعد فترة غيابه بسبب إصابة العانة، وأن ما ينقصه هو فقط نسق المنافسة.
وقد أبدى النادي انزعاجه من المقارنات التي أُثيرت بعد المباراة داخل بعض الأوساط الكتالونية، معتبرين أنها تمنح ريال مدريد أفضلية إعلامية وتشكل ضغطاً غير ضروري على اللاعب الشاب، خصوصاً أن الميرنجي يعاني أصلاً من أزمة انضباط مع نجمه فينيسيوس جونيور.
عودة المصابين
ستكون عودة المصابين عاملاً حاسماً في خطة فليك لإعادة التوازن. ينتظر الفريق استعادة رافينيا، الذي يُعد محورياً في مهمة الاختراق من الأطراف، لكن من المرجح أن تعود مشاركته بعد التوقف الدولي المقبل تجنباً للمخاطرة بإصابته مجدداً.
كما يُنتظر أيضاً عودة داني أولمو وروبرت ليفاندوفسكي، مع منافسة صحية على مركز المهاجم الصريح مع فيران توريس، بهدف إبقاء جميع اللاعبين في جاهزية قصوى.
وفي المقابل، يواصل الحارس خوان جارسيا مراحل التأهيل الأخيرة في الحراسة، بينما أثبت فويتشيك تشيزني أمام ريال مدريد قدرته على أداء دور الحارس الاحتياطي المخضرم بثقة وثبات.
المواجهات الفردية
عند لحظات الحسم، تصبح النزالات الفردية والكرات المشتركة بنفس أهمية الخطط التكتيكية. وفي مواجهة ريال مدريد، كانت الغلبة واضحة للفريق الملكي. وتجلّى ذلك في لقطة الهدف الثاني، حين تفوق فينيسيوس على كوندي في الإرسال العرضي، قبل أن تتنقل الكرة في الهواء داخل منطقة الجزاء دون تدخل حاسم من مدافعي برشلونة، ليخسر الفريق المواجهات الفردية التي تصنع الفارق في مثل هذه المباريات.
دور أراوخو
منذ رحيل إينيجو مارتينيز، يبحث فليك عن التركيبة الدفاعية التي تمنحه أفضل حلول إخراج الكرة من الخلف دون التضحية بالصلابة.
ولهذا، يعيد المدرب النظر في دور رونالد أراوخو، الذي يُعد أحد أكثر المدافعين قدرة على خوض المواجهات البدنية، وهو عنصر يمكن أن يصنع الفارق في المباريات الكبرى.
يدرك فليك أن التوازن بين البناء من الخلف والحزم الدفاعي هو مفتاح إعادة الاستقرار للمنظومة الخلفية.
قراءة هادئة وثقة في فليك
برشلونة يدرك أن الهزيمة 2-1 أمام ريال مدريد، الذي لعب على أرضه مكتمل الصفوف، كانت مؤلمة لكنها ليست مفاجئة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المباراة أضافت دليلاً جديداً على ما وصفه الرئيس خوان لابورتا في الجمعية العمومية الأخيرة بـ"التيار التحكيمي الأبيض"، حين قال عبارته الشهيرة: "يد بيضاء؟ إن لم تكن موجودة، فهي تبدو كذلك".
لكن في إدارة النادي، يعتقدون أن التركيز يجب أن يكون على ما يمكن للفريق تحسينه بنفسه، وهو ما يُعد أولوية فليك في الفترة المقبلة، بعدما غاب عن مقعد البدلاء بسبب الإيقاف.
وفي نهاية المطاف، خرج برشلونة من الكلاسيكو بقناعة واضحة: هذه لحظة فليك. عليه أن يعزز رسالته داخل الفريق، ويثبت نقاط القوة، ويعالج مواطن الضعف، حيث إن الثقة موجودة، والوقت لا يزال متاحاً ليعيد برشلونة إلى سكة المنافسة على الألقاب.
من يامال إلى أراوخو.. فليك يعيد رسم ملامح برشلونة بعد خسارة الكلاسيكو

