جدار برلين
بعد أقل من عام على سقوط جدار برلين في الـ9 من نوفمبر 1989، تم توحيد جمهورية ألمانيا الاتحادية (RFA) وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (RDA) رسميًّا، لكن بعد 36 عامًا، لا يزال هذا البلد الأوربي يحتفظ ببعض الانقسامات، مع وجود فجوات واضحة بين الشرق والغرب، سواء على صعيد الاقتصاد، والدخل، وفرص العمل أو حتى النتائج الانتخابية. فما هي حقيقة الوضع اليوم على ضفتي نهر الراين؟
في ليلة الـ13 من أغسطس 1961، أُقيم جدار برلين، مقسّمًا العاصمة الألمانية لما يقرب من 30 عامًا: الشرق تحت النفوذ السوفيتي، والغرب موجه نحو العالم الغربي. وبعد سقوط الجدار بدأت مفاوضات إعادة التوحيد، وأسفرت في الـ3 من أكتوبر 1990 عن اندماج 5 ولايات شرقية في الجمهورية الاتحادية.
لكن لا تزال آثار الانقسام واضحة اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا. فالفرق بين الشرق والغرب مستمر في تحديد مستوى الدخل، والبطالة، والتكوين السكاني، والمساواة بين الجنسين، والانتماءات الدينية والسياسية؛ ما يجعل الحدود غير المرئية بين الجزأين لا تزال حاضرة بقوة في الحياة اليومية للألمان.
الفجوة الاقتصادية لا تزال قائمة
رغم التقدم الذي حققته ألمانيا الشرقية منذ إعادة التوحيد، فإن اقتصادها لم يصل بعد إلى مستويات الغرب، ووفق بيانات المكتب الإحصائي الفيدرالي الألماني (Destatis)، يتقاضى سكان الشرق 3,973 يورو شهريًّا مقابل 4,810 يوروهات في الغرب في 2024، بفارق يصل إلى 837 يورو. الفجوة أكبر بين الرجال، حيث يكسب الرجال في الغرب 1,013 يورو أكثر شهريًّا من أقرانهم في الشرق.
أما معدلات البطالة، فتبلغ 5.7% في الغرب مقابل 7.5% في الشرق، أي أن الشرق يعاني من بطالة أعلى رغم تحسنها مقارنة بعام 1991 (7.3% شرقًا مقابل 6.2% غربًا). وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 37,711 يورو في الشرق مقابل 54,162 يورو في الغرب، عام 2024.
فجوة سكانية وعمرية
تظهر الفجوة أيضًا في التركيبة السكانية، حيث إن سكان الشرق أكبر سنًّا، ففي ساكسونيا أنهالت يشكل كبار السن (أكثر من 65 عامًا) نحو 28% من السكان، بينما في الغرب لا تتجاوز أي ولاية هذا النسبة باستثناء برلين. أما الشباب تحت 18 عامًا، فيشكلون نحو 17% في غرب ألمانيا، مقابل أقل من 15.5% في بعض الولايات الشرقية.
الكثافة السكانية في الغرب أعلى 2.5 مرة، وتبلغ نحو 271 شخصًا لكل كيلومتر مربع مقابل 114 شخصًا في الشرق، مع أغلبية سكان ألمانيا البالغ عددهم 83.6 مليون نسمة يعيشون في الغرب (67.5 مليون) مقابل 12.4 مليون في الشرق، بينما برلين تحوي نحو 3.7 مليون نسمة.
المساواة بين الجنسين وفرص العمل
من ناحية التوظيف، تتفوق ألمانيا الشرقية في المساواة بين النساء والرجال. النساء هناك يعملن أكثر تاريخيًّا مقارنة بالغرب، حيث كان نموذج الأسرة الغربية يعتمد على دخل واحد غالبًا، أما الدخل الثاني فكان تكميليًّا. اليوم، تبلغ نسبة النساء العاملات في الشرق 74.4% مقابل 74.1% في الغرب، مع وجود فارق في العمل الجزئي، حيث تعمل 33.2% من نساء الشرق بدوام جزئي مقابل 47.8% في الغرب.
الولايات الشرقية توفر أيضًا مرافق أفضل لرعاية الأطفال ومدارس أطول؛ ما يسهل على النساء الجمع بين الحياة المهنية والعائلية، ويقلل الحاجة للعمل الجزئي.
الفجوة الثقافية والدينية
الشرق الألماني تاريخيًّا كان أكثر بروتستانتية، ويعكس تأثير الماضي الشيوعي والسياسات العلمانية التي قللت من دور الدين، في المقابل، الغرب أكثر تنوعًا دينيًّا، ففي راينلاند بالاتينات، يشكل المسيحيون 60% من السكان، بينما لا تتجاوز هذه النسبة في الشرق 19%. اليوم، 47% من الألمان بلا دين رسمي، وتتركز هذه النسبة أعلى في الشرق.
الانقسام السياسي مستمر
الانتخابات البرلمانية في فبراير 2025 أظهرت بوضوح الانقسام السياسي: حزب AfD اليميني المتطرف حقق نتائج قوية في الولايات الشرقية، مثل ساكسونيا حيث تجاوز 45% من الأصوات، بينما لم يتجاوز المستوى الوطني 20.8%.
في الغرب، تمكن الحزب الديمقراطي الاشتراكي من الحفاظ على تواجده، بينما حصل في ساكسونيا على أقل من 10% من الأصوات.
حزب الاتحاد CDU/CSU الذي عاد للحكم يعتمد على الولايات الغربية، مثل بافاريا، حيث تجاوزت الأصوات 50% في بعض الدوائر، بينما فشل في إقناع سكان الشرق، إذ سجّل 21 من أصل 24 دائرة أقل من 20% في الشرق.

