كشف الحصار الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ناقلات النفط قبالة سواحل فنزويلا، إستراتيجية واشنطن الحالية تجاه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والمتمثلة بعزله من خلال تكتيكات الضغط التدريجي بدلًا من عملية كبيرة داخل البلاد والتي أكد ترامب في بعض الأحيان أنه على وشك البدء بها.
وبحسب موقع بوليتيكو الأمريكي، يبقى الهدف النهائي لترامب كما هو "الإطاحة بمادورو من السلطة"، وفقًا لأربعة أشخاص مطلعين على تفكير إدارة الرئيس الأمريكي والذين مُنحوا حق عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث علنًا.
وقال أحد المقربين من الإدارة: "يعتمد النظام في بقائه على ثلاثة أمور: تهريب النفط، وتهريب المخدرات، وتهريب الذهب غير المشروع، حيث هاجموها جميعًا.. إنهم يضغطون على النظام من جميع الجهات. لا أرى كيف سيستمرون في البقاء".
مع ذلك، ثمة إقرار بأن مادورو لن يتنحى بسهولة، وهي نقطة أدركتها إدارة ترامب خلال حملة ضغط في ولايتها الأولى. هذه الحقيقة، إلى جانب القوة العسكرية والخطابية التي وظفتها الإدارة بالفعل، لا تترك سوى خيارات محدودة لتهدئة الوضع.
إلى ذلك، قال مصدر ثانٍ مُطّلع على مناقشات الإدارة: "سواء قصدوا ذلك أم لا، فقد رفع البيت الأبيض سقف التوقعات إلى درجةٍ بات من المستحيل معها التراجع بسهولة. وفي الوقت نفسه، يتمتع مادورو بعنادٍ شديد، وهو يعلم أن الولايات المتحدة قد تتشتت بسهولة. مادورو يُماطل بينما ترامب يسعى للفوز؛ ما يعني أن كلا الطرفين لا يريد التراجع".
بينما يقدم ترامب مبررات متغيرة لسياسته تجاه فنزويلا، فإنه لا يزال يفكر في طرق جديدة للضغط على مادورو، بما في ذلك الحرب الإلكترونية والهجمات على الطائرات المغادرة للبلاد، بحسب "بوليتيكو".
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، استخدم ترامب سلسلة من الإجراءات للضغط على نظام مادورو، الذي وصفه بأنه تهديد للولايات المتحدة بسبب تهريب المخدرات المنطلق من الأراضي الفنزويلية.
وشنّ ترامب، دون موافقة الكونغرس، غارات جوية على نحو عشرين قاربًا يُزعم أنها تنقل مخدرات؛ ما أسفر عن مقتل نحو 100 شخص. وفرض عقوبات جديدة على النظام، شملت أقارب مادورو. كما صنّف العصابات والكارتلات المرتبطة بمادورو منظمات إرهابية. واعتمد على قوات الأمن الأمريكية، والأدوات المالية، وغيرهما من الوسائل لفرض العقوبات، مستخدمًا في الوقت نفسه نفوذه السياسي لتوجيه التهديدات.
في الأسبوع الماضي، نصبت قوات إنفاذ القانون الأمريكية كمينًا لناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا، حيث هبطت من مروحية على سطحها، في مقطع فيديو نشره مسؤولون أمريكيون على الفور. وصرح ترامب بأن الولايات المتحدة ستحتفظ بالنفط، الذي تُقدر قيمته بنحو 10 ملايين دولار. ويشير حصاره الجديد إلى أن المزيد من عمليات الضبط المماثلة قيد التخطيط.
كما صرح ترامب بأنه أذن بعملية سرية لوكالة المخابرات المركزية داخل فنزويلا.
يقول ترامب إن حملته بشأن فنزويلا تهدف إلى ممارسة المزيد من السيطرة على التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة من داخل نصف الكرة الغربي، رغم وجود جدل حول ما إذا كانت الأولوية هي الدفاع عن الوطن أم إحداث تغيير في النظام؟.
أشارت سوزي وايلز، رئيسة موظفي البيت الأبيض، في تصريحاتٍ نُشرت يوم الثلاثاء في مجلة "فانيتي فير"، إلى أن تغيير النظام هو الهدف بالفعل. وقالت إن ترامب "يريد الاستمرار في تفجير السفن حتى يستسلم مادورو. وهناك من هم أكثر درايةً مني بهذا الأمر، ويؤكدون أنه سيفعل".
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة الوضع الحساس، إن الهدف الأساسي هو "إيقاف الإرهابيين المرتبطين بالمخدرات"، لكن الإطاحة بمادورو تُعد جزءًا أساسيًّا من ذلك بسبب صلاته المزعومة بعصابات المخدرات في البلاد.
وتوقع المسؤول الكبير قائلًا: "إذا لم يكن مادورو في السلطة، فإن ذلك سيؤدي إلى توقف الكثير من العمليات".
وفي الواقع، تلعب فنزويلا دورًا ثانويًّا في تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة مقارنةً بالدول الأخرى. ويُهدد تبرير ترامب الأخير لمصادرة النفط بتقويض تبريره المعلن؛ ما يُضعف فكرة أن الهدف من كل هذا هو وقف تدفق المخدرات غير المشروعة قبل وصولها إلى الولايات المتحدة.
في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي الأربعاء عقب إعلان ترامب عن الحصار، بدا أن نائب رئيس الأركان ستيفن ميلر يقدم ذريعة لحرب ستكون، على الأقل جزئيًّا، حول الاستيلاء على نفط فنزويلا.
كتب ميلر في منشور على موقع إكس : "لقد أسهم العرق الأمريكي والإبداع والكدح في إنشاء صناعة النفط في فنزويلا. وكان الاستيلاء الاستبدادي عليها أكبر عملية سرقة مسجلة للثروة والممتلكات الأمريكية. ثم استُخدمت هذه الأصول المنهوبة لتمويل الإرهاب وإغراق شوارعنا بالقتلة والمرتزقة والمخدرات."
ويبدو أن ميلر كان يشير إلى تأميم الحكومات الفنزويلية لأصول النفط في الماضي .
وأشار ترامب، في حديثه للصحفيين الأربعاء، إلى أنه ينظر إلى الأمر بالطريقة ذاتها. وقال: "لقد سلبوا حقوقنا النفطية. لدينا الكثير من النفط هناك. وكما تعلمون، طردوا شركاتنا، ونريد استعادة حقوقنا".
الرئيس، المعروف بعدم صبره في الشؤون الخارجية أو الداخلية، استعرض عددًا من الخيارات الإضافية لتصعيد الموقف في فنزويلا.
ومن بين الخيارات التي درسها البيت الأبيض عن كثب، وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر، توسيع نطاق الضربات الصاروخية من القوارب إلى الطائرات الصغيرة التي يُعتقد أنها تنقل المخدرات غير المشروعة من غرب فنزويلا.
وقد يكون تقديم مبرر قانوني لإسقاط طائرات سيسنا وغيرها من الطائرات الصغيرة أكثر صعوبة من إسقاط القوارب، رغم أن البيت الأبيض لم يتردد في متابعة إستراتيجيته في مواجهة احتجاجات من الحزبين من خبراء قانونيين يقولون إن الضربات غير قانونية.
جبهة جديدة
وفي السياق، أشار مسؤول كبير في البيت الأبيض إلى أنه لن يكون من الصعب الحصول على أدلة مصورة لتحميل المخدرات على متن الطائرات، تمامًا كما أظهرت الصور الجوية التي رُفعت عنها السرية ما يبدو أنه مخدرات على متن بعض القوارب المستهدفة.
وبحسب الموقع الأمريكي، فقد تفتح الولايات المتحدة جبهة جديدة للحرب الإلكترونية في فنزويلا، إذ أفادت التقارير بأن شركة النفط الحكومية PDVSA زعمت يوم الاثنين أنها تعرضت لهجوم إلكتروني ألقى المسؤولون باللوم فيه على الولايات المتحدة، ولم يتمكن "بوليتكيو" من تأكيد الهجوم الإلكتروني، وأشار مصدر أمريكي مطلع على الأمر إلى أنه "ربما كان عملًا داخليًّا نفذه أشخاص داخل PDVSA".
وبما أن الدبلوماسية غير المباشرة لم تكن فعالة، فإن تصعيد الضغط قد لا يكون كافيًا لإجبار مادورو على الفرار؛ ما قد يؤدي في النهاية إلى ضربات عسكرية على الأراضي الفنزويلية.
رغم أن ترامب تحدث عن فنزويلا بضع مرات للصحافة ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه لم يُقدّم بعدُ حججًا واضحة للبلاد في خطاب رسمي، كما يفعل الرؤساء عادةً في بداية أي نزاع، لشرح ضرورة التدخل العسكري. وقال ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، إن مثل هذا الخطاب يكتسب أهمية بالغة نظرًا لغموض مبررات النزاع.
قال هاس: "إذا كان المبرر هو المخدرات، فهذا غير منطقي"، مشيرًا إلى أن صادرات فنزويلا الرئيسية من المخدرات هي الكوكايين، وليس الفنتانيل كما ألمح الرئيس. وأضاف: "إذا كان المبرر هو الهجرة، فقد غادر ثمانية ملايين شخص. لا أعتقد أننا قلقون من مغادرة مليون شخص آخر. أما إذا كان المبرر هو الحصول على الطاقة، فهذا مثير للاهتمام، والسؤال هو: هل تحتاج إلى تغيير النظام لتحقيق ذلك؟ سيكون من الجيد جدًّا لو أن الرئيس أو وزير الخارجية أوضحا هذه السياسة".
بوليتيكو: ترامب يخطط لإسقاط مادورو عبر "الضغط التدريجي"

