افتتح قطار الحجاز عام 1908 بين دمشق والمدينة المنورة لربط مناطق مختلفة من الدولة العثمانية. ومن حينها، تغيرت أشياء وأمور كثيرة، لكن ذلك الخط الحديدي لا يزال يثير إعجاب المسافرين حتى يومنا هذا .
وشيدت شبكة السكك الحديدية في الحجاز بأمر من السلطان عبدالحميد الثاني عام 1900 الذي كان يهيمن على مساحة من الأرض تمتد من البوسنة والهرسك إلى البحر الأسود ، ومن البصرة إلى بيروت، ليتمكن الحجاج المسلمون من الوصول بسهولة وأمان إلى مكة خلال موسم الحج وكانت تحدوه آمال عريضة بأن يتمكن خط السكك الحديدية من توحيد العالم الإسلامي .
كان المسلمون قبل ذلك يسافرون لأسابيع طويلة إن لم يكن شهوراً على ظهور الجمال، وكانت المسافة الممتدة بين دمشق والمدينة وحدها تستغرق 40 يوماً، وكان الكثير من الحجاج يلقون حتفهم في الطريق عبر الصحاري الجافة والجبال الجرداء، فجاءت فكرة السكك الحديدية لتقصر المسافة من 40 يوماً إلى خمسة أيام فقط، وبعد اكتمال المقطع الممتد بين دمشق والمدينة ، كانت الخطة هي مد الخط شمالاً إلى العاصمة العثمانية القسطنطينية وجنوباً إلى مكة ذاتها .
لكن أهمية السكك الحديدية للمسلمين لم تتوقف عند ذلك الحد ، فالمشروع الذي كان خارقاً للمألوف كمشروع للمواصلات في ذلك العصر، تم تمويله بالكامل من تبرعات المسلمين، ومن عائدات وضرائب الدولة العثمانية وبدون أي استثمار أجنبي .
كان هدف السلطان ليس فقط توحيد المسلمين بل أيضاً توحيد امبراطوريته عن طريق ربط الشعوب الخاضعة للإمبراطورية العثمانية ، لكن لم يتحقق له ما أراد ، ففي عام 1908 انطلق أول قطار من دمشق إلى المدينة مرورا بالاردن ، وفي العام التالي تمت الإطاحة بالسلطان عبد الحميد .
وبعد أن بدأ الجيش التركي استخدام القطار في الحرب العالمية الأولى، أدى الصراع إلى قطع ذلك الطريق الحديدي ، حيث هاجم الضابط الإنجليزي "تي إي لورانس" ، المعروف بلقب لورانس العرب خط السكة الحديد جنباً إلى جنب مع جنود خلال ما يُعرف بـ (الثورة العربية الكبرى).
وبعد ان وضعت الحرب أوزارها ، وتقاسم البريطانيون والفرنسيون بلاد الشام فيما بينهم، لم يكن الحفاظ على خط السكك الحديدية من أولوياتهم، فقد أصبح معظم الخط متهالكاً نتيجة الإهمال .
في الأردن اليوم يتم استخدام مقطعين من الخط، حيث يوجد قاطرة بخارية صيفية فقط، تستخدم بشكل أساسي للسياح، وتتحرك عبر الصحراء في وادي رم، وهو الخط ذاته الذي هاجمه "لورانس العرب"، كما أن هناك قطارا أسبوعيا يعمل على مدار العام بين عمان ومحطة الجيزة بالأردن ، يستخدمه الأردنيون في المنطقة للتنزه والمتعة .
واليوم تقف العربات البخارية المعطلة في محطة السكة الحديد الرئيسية في العاصمة الاردنية عمان، ملونةً لكنها صامتة، ويعرض متحف مكون من غرفة واحدة حطام وبقايا ما كان ذات يوم خط سكة حديد مشهوراً مثل تذاكر سفر قديمة، وصور فوتوغرافية، فوانيس، وإحدى العربات التي تم ترميمها بأسلوب جميل في بدايات القرن العشرين، بكراسيها المخملية المكسوة بقماش القطيفة، ومصابيحها الذهبية، تعطيك شعوراً بالبذخ الذي ميز تلك الحقبة .
ويجري في عمان بناء متحف جديد في المحطة، وهو عبارة عن بناء معاصر مساحته 3000 متر مربع ويتوقع الانتهاء من تشييده في نهاية 2018، في إشارة تحمل الكثير من الرمزية ، يتم تمويل المتحف من هيئة التنمية التركية (تيكا) ، بالاضافة الى وجود مساعي لإدراج ذلك الخط الحديدي ضمن قائمة اليونسكو للمواقع الأثرية، فقد تقدمت السعودية بطلب بهذا الخصوص عام 2015 (لم تقم السعودية بإحياء الخط لاستخدامه في المواصلات كما فعل الأردن، لكن يوجد بها متحف صغير وتعتبر الخط الحديدي من تراثها أيضا ).
ويبدو أنه من الصعب تخيل وقت يعود فيه القطار لنقل المسافرين من سوريا إلى السعودية. لكن طالما بقي تراث سكة حديد الحجاز حياً ومعترفاً به، سيظل الأمل والإمكانية قائمين .
اضافة تعليق اضافة تعليق